أسرع توني بلير، رئيس وزراء بريطانيا إلي دائرته الانتخابية، وأعلن منها أنه سوف يقدم استقالته إلي الملكة يوم ٢٧ يونيو المقبل، وطالب أبناء بلاده، بأن يغفروا له خطاياه، لأنه لم يرتكبها عن قصد، وقال إنه فعل ما رآه خيرا للبلد
ثم قال ما هو أهم عندما كشف عن أن حكومته هي الحكومة الإنجليزية الوحيدة منذ عام ١٩٤٥، التي حققت وظائف أكثر
ونسبة بطالة أقل
ويبدو أنه أحس بأن كثيرين من حوله، وفي العالم، يتساءلون عن سبب الاستقالةفقال: لقد قضيت عشر سنوات في الحكم، وأعتقد أن هذه فترة طويلة، بما فيه الكفاية، لي.. وللبلد
وفي فرنسا، سوف يغادر الرئيس جاك شيراك قصر الأليزيه صباح الأربعاء المقبل، إلي الأبد
وكان هو الذي عدل الدستور، فجعل فترة الرئاسة خمس سنوات، بدلاً من سبع سنوات
والغريب أنه أول مَنْ دفع ثمن هذا التعديل... فلولا ذلك، لكان عليه أن يقضي عامين آخرين في القصر
غير أنه لم يفكر، فيما يبدو، في شيء من هذا علي الإطلاق..وقد كان في إمكانه أن يقضي في قصر الرئاسة ١٢ عاما أخري، مثل التي قضاها، لو أراد.. وعندما سُئل عن سر لهفته علي مغادرة الكرسي
قال ما معناه، إن الحياة لن تتوقف في قصر الإليزيه وحده، وإن أمامه حياة أخري سوف يعيشها
بعيداً عن السلطة، مستمتعا بوقته، وأسرته
وفي موريتانيا، تسلم العقيد محمد ولد فال، السلطة يوم ٥ أغسطس ٢٠٠٥، وقال إنه سوف يقضي فيها ٢٤ شهراً فقط، وسوف يغادرها فورا، ولن يرشح نفسه، ولم ينتظر الرجل أن يأتي التاريخ الذي قال إنه سوف يغادر الكرسي فيه
وهو ٥ أغسطس المقبل، ولكنه سلم السلطة في مارس الماضي، ولم يرشح نفسه فعلاً
وعاد إلي الصحراء، يرعي قطيعا من الإبل، بعد أن عدَّل الدستور، وجعله مثل دستور فرنسا سواء بسواء
فالحد الأقصي لبقاء الرئيس الموريتاني في الحكم هو عشر سنوات، علي فترتين
وفي جنوب أفريقيا قضي نيلسون مانديلا ربع قرن في السجن، وعندما وصل إلي السلطة
من خلال انتخابات حرة، غادرها بعد عدة سنوات، طواعية، وصار يتجول في الأرض سفيراً للنوايا الحسنة
وتحولت بلاده من أكثر الدول التي تمارس العنصرية، إلي بلد يجري تداول السلطة فيه سلمياً
بحد أقصي ١٠ سوات في الرئاسة علي فترتين أيضاً
=============
والأربعة: بلير.. وشيراك.. وولد فال.. ومانديلا
كانوا في غاية الأناقة السياسية، وهم يغادرون السلطة
ويعرفون متي بالضبط يصبح علي السياسي أن يترك الملعب
بينما الأضواء تحيط به من كل اتجاه
فمتي ندخل نحن هذا السباق العالمي في الأناقة السياسية؟!
ومتي يبادر الحزب الوطني الحاكم بقطع خطوة من هذا النوع؟!
ومتي نمارس الديمقراطية بهذه الأناقة التي أدهشت العالم، ولا تزال؟!
الأناقة في ممارسة السياسة تنتشر في العالم، مثل العدوي.. ولكنها تتوقف عند حدودنا، وكأننا مُحصنون ضدها!!.. وهي عدوي لا تأتي بفعل ثورة الجماهير في الشارع، ولا بسبب ضغوط المعارضة.. ولكنها تأتي بمبادرة شخصية من الجالسين في كراسي الحكم. الكرة في هذا السباق الدولي ليست في يدي.. ولا في يدك.. ولكنها في يد الحزب الوطني!